قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى :
{ وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ *
بِالْبَيِّنَاتِ
وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } الأنبياء 7-8 :
" يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : { وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا } ،
أي : لست ببدع من الرسل ، فلم نرسل قبلك ملائكة ، بل رجالا كاملين ، لا نساء .
نُوحِي إِلَيْهِمْ من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد ، من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم ،
{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ } أي : الكتب السابقة { إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } نبأ الأولين ،
و شككتم : هل بعث الله رجالا ؟ فاسألوا أهل العلم بذلك ، الذين نزلت عليهم الزبر والبينات ، فعلموها وفهموها ،
فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى .
وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، و أنّ أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل .
فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، و في ضمنه تعديل لأهل العلم و تزكية لهم ،
حيث أمر بسؤالهم ، و أنّ بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه و تنزيله ،
و أنهم مأمورون بتزكية أنفسهم ، و الاتصاف بصفات الكمال .
و أفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم ، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة ، و أولى من غيرهم بهذا الاسم ،
و لهذا قال تعالى : { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ } أي : القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد
من أمور دينهم و دنياهم الظاهرة و الباطنة ، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ ، و هذا شامل لتبيين ألفاظه و تبيين معانيه ،
وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيه ، فيستخرجون من كنوزه و علومه بحسب استعدادهم و إقبالهم عليه " .
انتهى من (تفسير السعدي - (1 / 441) .